هل تمهد الحكاية للفتوى والصفقة؟

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

بقلم: عدلي صادق

 

قبل بدء المرحلة الأولى من الانتخابات المحلية الفلسطينية في ديسمبر 2004  أزيحت جانباً فتوى حمساية سابقة تؤكد على تحريم المشاركة في أية أطر تابعة  للسلطة الفلسطينية. أيامها قررت حماس المشاركة فجأة ودون علم خطباء الجمعة في المساجد، وقد جاء القرار بين جمعتين وخطبتين، فسمع المصلون خطبة التأكيد على التحريم، عندما تحدد موعد الانتخابات، ثم في خطبة الجمعة التالية، سمع المصلون أنفسهم خطبة الإباحة لتصبح الانتخابات حلالاً زلالاً!

 بعدئذٍ، سرعان ما جرى تطيير الدعوة للناخبين بأن يختاروا "القوى الأمين". في تلك الصيغة، كانت حماس  تمارس حقها الطبيعي في الاستفادة من تراكم أخطاء السلطة، ومن الضعف الأدبي أمام المجتمع، للمسكين بمقاليد الإدارة، والاستفادة بالطبع من مظاهر الفساد، كما الإستفادة من علو منسوب الدم الزكي، الذي سفكه المحتلون في جرائمهم، ما أشعل غضب الناس وعزز قناعتهم بضرورات المقاومة والثأر!

لكن ما جاء في إعلانات التهاني الحمساوية، بعد إعلان النتائج، أعطى إشارات مقلقة، إذ استُخدمت في كل تهنئة آيات قرآنية في غير مواضعها، لأنها تُتلى     

عند إلحاق الهزيمة بالكافرين وبالغزاة وبيهود بني النضير، أو كانت مناسبات نزولها تتعلق بما تعرض له الأنبياء من أذى الكافرين، كقول رب العزة في سورة غافر: "إنا لننصر رسلنا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد" أو كقوله تعالى، في سورة صافات: "إنهم لَهُمُ المنصورون، وإن جندنا لهم الغالبون"!

منذ تلك الأيام، فُتحت الأبواب للتعاطي مع المنافسين في السياسة، بلغة ماحقة، تجعل ما يصح قوله، توصيفاً للعدو المجرم، بلسان من يجاهدونه، قابلاً للاستخدام عند الخلاف أو عند المفاخرة بالفوز في مقعد للمجلس البلدي، داخل المجتمع الواحد، وعند خسارة منافسين من شركاء الوطن الذين هم بالمعنى التاريخي والاجتماعي، إخوة لــ "جُند" حماس و"رُسلها".

هذه النغمات الخطابية أخذت مداها وفعلت فعلها، وأسهمت في إيصالنا الى ما نحن فيه الآن، وهي التي جعلت الفتى يهجم على مجموعة شباب الحراك الإجتماعي المطلبي، كمن يهجم على مفرزة من الحملات الصيليبية. فقد نشأ على هذه التربية كثيرون من الصغار الذين شبوا عن الطوق وهم يستمعون الى فقه رديء يمزق وحدة الوجدان الفلسطيني وينمّط الغالبية العظمى من العابدين في الوطن، تنميطاً شنيعاً!

بعد سنين ــ زادت عن إثنتي عشرة ــ من التحول في خطبة الجمعة من حُرمة الإنتخابات وكفرها، الى حلالها وإيمانها؛ سُمعت في الجمعة الأخيرة تلميحات جاءت في سياق استذكار "صلح الحديبية" وهذه المرة يُخشى أن نكون بصدد التمهيد لما يُسمى صفقة القرن. لذا تتوجب الدعوة منذ الآن، الى التنبه والتدقيق في أي كلام عن صلح الحديبية، بلسان خطيب جمعة، من فوق أي منبر، من الطراز الذي أشرنا اليه، وستكون مقاطعته ضرورية، باستفهام عاجل، وباللهجة المحلية:"هات من الآخر، ماذا تقصد؟!"

في صلح الحديبية، لم يكن الأمر يتعلق بمصير وطن ومصير شعب، وإن كان يتعلق بالهدنة بين مشركي قريش ومؤمنيها. ولم تكن القضية انتهاب البلاد التي يمتلكها طرفا الخصومة وطرفا الصلح، الذي هو وطن بني بكر وبني خُزاعة وسواهما من القبائل التي لم تتشاجر. فكل المسألة تتعلق بكف شر كل فريق عن الفريق الآخر من الشعب الواحد. فلو لم يكن الطرفان من الشعب الواحد، لما تنازل النبي عليه السلام عن تثبيت صفته كنبي، في العقد عند كتابته!

أما حكاية ما يسمى صفقة القرن، فهي خطة لتصفية قضية عادلة ونكران حقوق أمة، وتكريس العبودية على شعب حر. فلا يحق لخطيب، مهما بلغ من فقدان التقوى، أن يلعب بقصص القرآن والسيرة النبوية، لكي يشرعن خطط البقاء في السلطة وتأسيس إمارة صغرى مر الكثير مثلها في التاريخ واندثر.

في ذات سنة، استخدمت آيات قرآنية كريمه لشرعنه ما سُميت اتفاقية سلام، لكي يختلط الأمر على السذح. فقد تُليت بصوت جهوري، الآية من سورة يونس:"والله يدعو الى دار السلام ويهدي من يشاء الى صراط  مستقيم" لكي يظن المواطن البسيط أن معنى السلام في الآية هو الإتفاقية وليس الفردوس في الدار الآخرة.

صلح الحديبية، لا يصلح حتى للحديث إيجاباً ن إنهاء الإنقسام، لأن الخصومة ليست بين مشركين ومؤمنين، وليس في صلح الحديبية، ما يبرر قيام إمارة، ولا طيْ ملف أية قضية عادلة، ولا شطب حقوق، ولا فيه ما يساعد على تمرير صفقة حقيرة، لذا وجب التدقيق في مقاصد الكلام عنه الآن، دون الانتقاص من حق الحكاية في أن تروى في أية ساعة، كواحدة من مشاهد السيرة النبوية العاطرة.